يُعتبر الشق الحنكي (Cleft Palate) من أكثر التشوهات القحفية الوجهية (Craniofacial anomalies) شيوعًا، وينتج عن فشل في عملية الالتحام الجنيني (embryological fusion) بين الأسبوع الرابع والعاشر من الحمل. هذه الحالة لا تقتصر آثارها على الشكل الخارجي فقط، بل تمتد لتشمل صعوبات التغذية (feeding difficulties)، مشكلات في وظيفة الأذن الوسطى، واضطرابات واضحة في تطور النطق واللغة، ما يجعل التدخل المبكر ضرورة أساسية (Kummer, 2020).
الشق الحنكي قد يظهر في أشكال متعددة. فقد يكون كاملًا (Complete cleft palate) يمتد من مقدمة الحنك إلى مؤخرته، أو جزئيًا (Incomplete cleft) يصيب جزءًا محدودًا من سقف الفم، أو خفيًا تحت المخاطية (Submucous cleft palate) حيث يكون الشق غير ظاهر على السطح الخارجي لكنه يؤثر على وظيفة عضلات الحنك. هذا التنوع في الشكل يؤدي إلى اختلاف في حدة الأعراض وتأثيرها على التواصل (Peterson-Falzone et al., 2017).
تعود أسباب الشق الحنكي إلى عوامل متعددة. تشير الدراسات إلى أن العوامل الوراثية (genetic predisposition) تلعب دورًا رئيسيًا، إلى جانب العوامل البيئية مثل التدخين، الكحول، سوء التغذية أو التعرض للأدوية خلال الحمل. كما قد يظهر الشق كجزء من متلازمات خلقية أوسع مثل Pierre Robin Sequence أو Van der Woude Syndrome (ASHA, 2021).
الأعراض الناتجة عن الشق الحنكي معقدة ومتعددة الأبعاد. منذ الولادة يواجه الطفل مشكلات في التغذية نتيجة تسرب الحليب عبر الأنف. كما أن التهابات الأذن الوسطى (otitis media with effusion) شائعة بسبب ضعف وظيفة قناة أوستاكيوس (Eustachian tube)، مما يؤدي إلى فقدان سمع توصيلي (conductive hearing loss) يؤثر في تطور اللغة. من الناحية النطقية، يعد الخنف (hypernasality) من أكثر المشكلات بروزًا، إلى جانب صعوبة إنتاج الأصوات الانفجارية (pressure consonants) مثل /p/, /t/, /k/، واللجوء إلى أنماط تعويضية (compensatory articulation) مثل الإغلاق المزمارى (glottal stops). هذه الصعوبات تحد من وضوح الكلام (speech intelligibility) وتؤثر على الاندماج الاجتماعي (Sell et al., 2018).
يقوم Speech and Language Pathologist (SLP) بدور محوري في التقييم (assessment). حيث يتم فحص الرنين الصوتي (resonance) للكشف عن الخنف، وتحليل أخطاء النطق لرصد الأنماط التعويضية، إضافة إلى تقييم وظيفة الإغلاق البلعومي الأنفي (velopharyngeal function) باستخدام تقنيات مثل التنظير الأنفي (nasopharyngoscopy) أو القياسات الهوائية (aerodynamic assessment). كما يشمل التقييم مهارات الفهم والتعبير اللغوي (language comprehension and expression) لتحديد مدى تأثير الحالة على التواصل الكلي (Kummer, 2020).
العلاج يبدأ عادةً بالجراحة (surgical repair/palatoplasty) خلال السنة الأولى من العمر، لكن نجاح الجراحة لا يعني انتهاء التحديات. بعد العملية، يبدأ دور العلاج النطقي (speech therapy) حيث يركز الأخصائي على تدريب الطفل على إنتاج الأصوات الفموية، وزيادة وعيه بتدفق الهواء (oral airflow)، واستخدام الوسائل البصرية واللمسية مثل المرايا أو وضع اليد أمام الفم. وإذا استمر وجود قصور وظيفي في الإغلاق البلعومي (velopharyngeal insufficiency, VPI)، فقد يحتاج الطفل إلى جراحة إضافية أو وسائل تعويضية مثل palatal lift أو speech bulb (Peterson-Falzone et al., 2017).
إن التدخل الناجح يتطلب نهجًا متعدد التخصصات (multidisciplinary approach) يشمل الجراح، طبيب الأنف والأذن والحنجرة، اختصاصي السمعيات، أخصائي الأسنان، الأخصائي النفسي، وأخصائي النطق واللغة. هذا التعاون يضمن معالجة الجوانب الطبية والوظيفية والنفسية معًا، ويساعد الطفل على تطوير مهارات تواصل فعالة (effective communication skills) وتحقيق اندماج أفضل في المجتمع (ASHA, 2021).
في الختام، يُعد الشق الحنكي حالة طبية وتواصلية معقدة تتطلب التدخل المبكر (early intervention) والإدارة الشاملة (comprehensive management). الدور المحوري لـ Speech and Language Pathologists يتمثل في تحسين وضوح الكلام (speech intelligibility)، معالجة اضطرابات الرنين (resonance disorders)، والحد من الآثار النفسية والاجتماعية، مما يسهم في تحسين جودة حياة الأطفال المصابين (Sell et al., 2018).
المراجع:
Peterson-Falzone, S. J., Hardin-Jones, M., & Karnell, M. P. (2017). Cleft Palate Speech. 4th ed. St. Louis: Mosby.
Kummer, A. W. (2020). Cleft Palate and Craniofacial Conditions: A Comprehensive Guide to Clinical Management. 4th ed. Jones & Bartlett Learning.
American Speech-Language-Hearing Association (ASHA). (2021). Cleft Lip and Palate. Retrieved from: https://www.asha.org
Sell, D., Pereira, V., & Albery, L. (2018). Speech outcomes in cleft palate: a systematic review. Cleft Palate-Craniofacial Journal, 55(3), 342–355.